المحاضرة السابعة الشركاء المساهمون في تنمية الاتصال الجواري

ثالثا: الشركاء المساهمون في تنمية الاتصال الجواري:
لو أردنا أن نحصي جميع الشركاء المساهمين في ترقية علاقة الاتصال الجواري بين الإدارة والمواطن، دون شك سوف نذكر قائمة طويلة من الأشخاص والأعوان الذين يقدمون الخدمات الجوارية إذا ما استغلت كما ينبغي ، فإنه باستطاعة العمل الجواري أن يرتقي إلى مرحلة التفاعل وفي هذا العنصر ذكرت بعض الشركاء الذين رأيت أنهم يؤثرون على سير منظومة الاتصال الجواري وهم:
ثالثا : الشركاء المساهمون في الإتصال الجواري

1-الصحفــــــي :

يعتبر الصحفي رجل حركة وإبداع يتولى نقل الاحداث في حالة وقوعها الى المواطن وخلافا عن ذلك فقد عرفت وسائل الاعلام الصحفي بمجموعة من التعاريف فهو مثقف يجوز أن يحمل مؤهلا عاليا وذو خبرة في فنيات الكتابة و أن يكون خريج المعاهد الجامعية معهد الصحافة على الخصوص ومنها من وصفته بالاستاذ الذي يعرف منهجيات الخطابة والكتابة غير عدواني يتحدث اللغة السليمة له قابلية الإلمام بظروف بالوسط الاجتماعي للوصول إلى حل يرضي الجميع و فوقهم القانون .
ومن واجباته التي حددها القانون له :
- الدفاع عن كل الحقوق رغم أنه يختلف معها .
- التعامل بالموضوعية البحتة و ليس القفز و النط .
- معرفة تقنيات الخبر الصحفي و ليس ( كل كلب يعض ) خبر صحفي .
- نشر الاستدراك و الاعتراف بالخطأ ليس إرضاء للغير بل صونا للخط الإعلامي .
- المحافظة و عبادة السر المهني حتى الموت .
- الفصل بين الموهبة و الصحافة فليس كل شاعر صحفي و العكس قد يكون صحيحا .
- الفصل بين التخصص الوظيفي و الصحافة .
- الفصل في تقنيات الكتابة فكاتب التاريخ أو أستاذ الفيزياء ليسوا صحفيين .
- عدم الرضوخ لأي كان في الرتبة أو الوظيفة إلا للموضوعية .
- الفصل بين العمل الإشهاري و التجاري و الصحافة .
- الصحفي قد يكون شرطيا و طرق بحثه أفضل من الشرطة و تحرياتها .
- نبذ المدح و التحيز للوظيفة أو التقرب إلى الشرطة و أقسام التحريات .
- الابتعاد عن وسائل التزيف و القهر أو الجبر أو التحايل للوصول إلى الخبر
- العمل في ظل ضوابط الدولة و عدم المساس برموزها .
2 الأسرة:
تعد الأسرة نواة لمؤسسة عائلية تحتوي على رجل وامرأة يعيشون معا في علاقة إزدواجية ومعهم الذرية والأقارب والخدم، فهم يشكلون المجتمع، هذا الأخير تتعدد فيه التنظيمات وتنتشر بينه القبائل في كل النواحي مما يجعل منها أداة جوارية تنطلق من الأسرة أي من العائلة الواحدة التي تتألف كما أشرنا من أفراد، يعتبر رب العائلة قائما بالاتصال لأنه يرسخه في أولاده عندما ينفصلون.
إن تنوع الأسر داخل المجتمع يعني تشكيل مجموعات من المعارف والسلوكات تنظم من طرف الآباء على أساس قواعد إتصالية منها مثلا: فتح الحوار بين رب العائلة والأولاد والأقارب والتضامن في حالة وقوع الكوارث داخل الأسرة الواحدة.
إن ترسيم ثقافة الحوار والمناقشة يعد من أعقد المسائل التي تعترض سبيل العائلة في حياتهم اليومية، فهما يشكلان البذرة الأولى لترسيخ ثقافة الاتصال الجواري التي سيفتحها الأبناء عند اتصالهم بزملائهم في المدارس، أو في الحياة، فيتعمد أفراد الأسر إلى تطبيق أسلوب المناقشة التي تعلموها داخل الأسرة في الخارج، حيث يشعرون بحرية كبيرة عندما يصادفون المجتمع.
إن هذا التعلم المسبق للحوار والاستماع إلى توجيهات أب الأسرة وشيخ القبيلة ، يقدم الدليل المادي على دور الأسرة كشريك حيوي لا يمكن الاستغناء عنه في ترقية الاتصال الجواري.
3 المنتخبون:
إن مهمة المنتخب وما يرتبط بها من حقوق وواجبات تعد مهمة جوارية ، فهي تقوم على تطبيق تقنيات الاتصال، فالمنتخب سواء في البلدية أو الولاية أو البرلمان يشكل مرآة عاكسة لانشغالات ناخبيه، فهو يحمل كل المعاناة والحاجيات التي يعيشها ويطلبها المواطن من الإدارة،إذ لا يمكن أن يوافق على تمرير مشاريع قوانين تضر بالمصلحة العامة.
إن من يضع القوانين داخل الهيئات الانتخابية بلا شك هو المنتخب، بإعتيبار أن القانون هو الذي منحه الحق في التمثيل لمصلحة المواطن ووضح طريقة عمله في اللجان المستحدثة داخل كل هيئة كلجان السلطات العمومية والنظافة والشؤون الاجتماعية.
تصاغ إقتراحات المنتخب المتدخل في الجلسة العامة بحكم المادة 46 ، لتؤخذ كشكل مبادرة في التشريع ، فالنائب المنتخب جعله القانون على نفس الدرجة مع اللجنة المختصة والحكومة فيما يتعلق في اقتراح التعديلات.
ونخلص في الأخير إلى إعتبار المنتخب شريك حيوي في تنمية الاتصال الجواري ، فهو الذي يضع من مشاريع القوانين المصادق عليها دعائم لتطوير تقنيات الاتصال الجواري.


4 رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال:
لا يمكن لأي مؤسسة إنتاجية مهما كان نوعها في العالم أن تحقق أرباحا من سنة إلى أخرى دون أن تكون قد إهتمت بتطوير الاتصال الداخلي في المؤسسة سواء أكان إتصالا هابطا أو صاعدا.
تتولى المؤسسات الناجحة فهم إنشغالات عمالها الاجتماعية والمهنية، فلو تسائلنا عن سبب تزايد أرباح شركة (IBM) لصناعة الحاسوب دون شك نجد أن السبب بسيط يتمثل في قيام المدير بإجراء لقاء يومي قبل بداية العمل بـ 05 دقائق وتنتهي بعد إنتهاء 10 دقائق، للاستماع إلى إنشغالات العاملين ، وتعرف هذه الطريقة (BROWN STOMING) وتشبه (البريفينغ) في المؤسسات الصحفية.
إن وعي رجال الأعمال بدور الاتصال ونتائجه الإيجابية يجعلهم يصرفون أموالا طائلة من أجل تطوير الاتصال الجواري ، فهم ليسوا بمعزل عن الحوادث الاجتماعية والسياسية التي تحدث كل ساعة زمن عبر العالم، إذ يسارعون إلى المساهمة عن طريق التطور لبناء عمارات أو إنجاز دور العجزة ، فبمثل هذه التصرفات الخيرية يثبتون دورهم الجواري في مساعدة المواطن والإدارة على حد سواء.
5 الأئمة:
إن تأسيس سلك للأئمة داخل الوظيف العمومي يهدف إلى إعطاء صفة الإمام الشرعية بموجب القانون،فهذا الشخص الذي يمارس إتصالا مفتوحا مع جمهور المصلين يعد في موقع أصلح لإرسال خطاباته التحسيسية التي تتضمن كلمات توعية بالحالة الاجتماعية التي يوجد عليها المواطن.
تدخلت الإدارة في هذا السلك عندما أصبحت ترسل نماذج مكتوبة من خطب الجمعة بغرض إذاعتها أثناء الخطبتين، لتحقيق التآلف الاجتماعي.
إن الأمر قد تختلف بالنسبة للخطب والدروس التي تلقى عقب كل صلاة أو قبلها، حيث يستطيع الإمام أن يوجه المصلين إلى أي موضوع يرى في إثارته فائدة، فهو يمثل إتصالا في إتجاه واحد، أي بمعنى أنه يساهم في الاتصال الجواري عندما يشعر الناس بمصالحهم فهو شريك أساسي يساعد الإدارة على توصيل رسائلها إلى مجموع المصلين، فكم من مساجد بنيت في أماكن للعبادة، فالإمام الخطيب يشبه الصحفي ينقل للناس المعلومات ويحلل لهم وضعيتهم على نطاق إستعمالات الدين والتكافل الاجتماعي، ويعتبر دور الإمام منذ القدم دورا إيجابيا وجواريا إستعملته الطرقية والصوفية لتوعية الناس بمسائل دينهم.
6 الخبراء رجال التعليم:
إن المهندسين والخبراء والإعلاميين والأساتذة هم شركاء فعليون في ترقية الاتصال الجواري، ذلك أنهم يسعون كل حسب إختصاصه إلى تقديم معلومات ونصائح إلى المتلقين ،حيث يعلمون تلاميذهم الآداب والاحترام وحب البحث العلمي، ويشجعونهم على إعتناق المبادئ الجميلة.
إن المهندسين والخبراء عندما يطورون طرق الإسكان فهم بذلك يحافظون على الروابط بين الأفراد والأسرة من خلال ما تجسده رسوماتهم التي تأخذ في الحسبان دائما خصوصية الريفي والبدوي.
أصبح نموذج السكن (F1) غير مطابق لأن المواطن لم يقبل عليه، ففهمت الإدارة حاجته إلى سكنات من النوع الواسع ولم تتوصل لذلك القرار حتى أخبرت من طرف المهندسين برغبة المواطن في تغيير سكناه.
يتأكد في نهاية هذا العنصر أن الشركاء من معلمين ومهندسين وأساتذة، يساندون فكرة التواصل الجواري، باعتبارهم يشكلون الدعائم المؤيدة له .

7 الشرطة الجوارية:
لقد أنشأت الشرطة الجوارية بعد هيكلتها على المستوى المركزي لتكون في خدمة المواطن والمحافظة على ماله وممتلكاته، عن طريق تسطير خطة موحدة لمقاومة العنف والجريمة، فقد وضعت المديرية العامة للأمن أسس لتقريب الإدارة من المواطن نذكر منها:
- التخفف من الأمراض الاجتماعية بواسطة الاحتكاك المستمر بالمواطن للتعاون مع المنظمات الجمعوية.
- الاهتمام بخريجي السجون.
- مكافحة أنواع السرقات وهتك الأعراض والتعدي.
- القيام بالمصالحة بين المتنازعين لتحقيق الوئام المدني.
- مساعدة ضحايا العمل الإجرامي والوقاية من حوادث المرور والمخدرات.
إنطلاقا من هذه المهام فإن إدارة الأمن أصبحت تتدخل كوسيط بكل ما له علاقة بالمواطن سواء أكان قريبا أم بعيدا، قد فتحت أبوابها لكافة المواطنين للحضور كلما دعت الضرورة إلى ذلك.









المبحث الثاني : تطور الإتصال الجواري في الجزائر
بعدما تعرفنا على علاقة الاتصال الجواري بوسائل الاتصال الجماهيري سنحاول في هذا المبحث التركيز على تطوره في الجزائر ابداءا من الحصول على الاستقلال .
شهدت الجزائر منذ سنة1962 تطورات مهمة في النظام السياسي والاداري وحتى الاعلامي أفرزت تلك التطورات ظهور ثلاث تيارات إيديولوجية متصارعة داخل جبهة التحرير الوطني
و تتمثل في :
- التيار الاشتراكي كان يدعو إلى بناء مجتمع يساعد الجماهير الشعبية المعوزة .
- التيار الرأسمالي الليبرالي .
- تيار رأسمالية الدولة الوطنية حيث كانت تسعى إلى إقامة إقتصاد دولة مبني على التخطيط المركزي أساسه تأميم رؤوس الأموال الأجنبية .
أولا : مرحلة حكم بن بلة 1962/ 1965
في هذه المرحلة لا يمكن قياس الإتصال الجواري بمعزل عن المواثيق والدساتير التي صدرت منها دستور الجزائر المستقلة في 10 سبتمبر 1963 ، فقد دعم ميثاق طرابلس الاتصال في إتجاه واحد تطبيقا و تنمية لعوامل فرضتها ظروف صعبة ، كانت تعيشها البلاد خاصة الاقتصادية والاجتماعية منها الرغبة في الحفاظ على الوحدة الوطنية بعد تفشي ظاهرة الجهوية والإقطاعية.



حيث جسد ميثاق الجزائر فكرة الاتصال الثقافي من خلال تمرير التعبئة الاجتماعية خدمة للفلسفة الماركسية إذ عملت المنظمات الجماهيرية على ترقية العمل الجواري عن طريق التطوع في المزارع والحقول ،الأمر الذي عكسته النصوص الرسمية من خلال تأثرها بالفكر الإيديولوجي خدمة للتوجه الاشتراكي .
أي أن جبهة التحرير الوطني كمؤسسة كانت تسيطر على جميع المناحي داخليا وخارجيا (11) وهو ما عملت حكومة بن بلة على تنفيذه ميدانيا ، من خلال إصدار مراسيم بمنع الأحزاب والإدارات التي كانت تطمح إلى التعددية فقد دفع محمد خيضر إلى الإستقالة من منصب الأمين العام للحزب ليخلفه أحمد بن بلة ه (12) .
وتم إيقاف محمد بوضياف الذي أسس حزب الثورة الإشتراكية المعارض ونفي الحسين آيت أحمد الذي أسس هو الأخر حزب جبهة القوي الاشتراكية عندئذ لم تكن الصراعات السياسية معلنة حتى يعلم بها الشعب لانه كان محاصرا من قبل ظروف اجتماعية قاهرة فرضتها القوانين الاستعمارية الجائرة .
لم يكن للديمقراطية أي مفهوم واضح فكان الاتصال يتم على مستوى واحد وهو إنتظار المراسيم الواردة إلى الحزب الذي أقره دستور 1963م وأعتبره محرك الجماهير أي لا شرعية خارجه، وهذا ما يؤدي بنا إلى الإقرار بعدم وجود إتصال تفاهمي إلا ما كان يرضي السلطة خاصة إذا ماعلمنا أن قرارا سابقا يقضي بمنع كل التنظيمات والجمعيات من النشاط والتجمهر /قد صدر ولم يمر على سريان الدستور الجديد سوى ثلاثة عشر يوما فقط حتى تم تجميده طبقا للمادة 59 منه التي تعترف للرئيس بالإعلان عن الحالة الاستثنائية في حالة الحصار متخذا من قضية النزاع الحدودي مع المغرب ذريعة لذلك

11 - لقاء مع السيد بشير بومعزة –الجزائر الأحداث 9/8/89 ، ص 9 .
12 - محمد عباس –الإندماجيون الجدد –ج3 الجزائر – مطبعة دحلب 1993 ، ص 150 .

ورغم ما قيل عن مرحلة بن بلة فإن وسائل الاتصال الجواري كانت واضحة من خلال مجموعة نصوص التي صدرت في المؤتمر الثالث لجبهة التحرير في أفريل 64 حيث استحدث تنظيما هيكليا للحزب
- الخلية ويقع مقرها في الأحياء والقرى والمؤسسات .
- القسمة توجد في مقاطعات الدوائر .
- الاتحادية موجودة على مستوى الولاية .
- المؤتمر الوطني ينعقد كل سنتين بمقر الجبهة .
- اللجنة المركزية تجتمع كل 04 أشهر .
- المكتب السياسي : هو أعلى وسيط يتولى قيادته الأمين العام للجبهة.
لقد ساير المشرع الجزائري تطورات الوضع السياسي من خلال إاستبدال النظام الإداري الموروث وإحلال محله إدارة جزائرية يؤطرها جزائريين .
ــــــــ
13 - منشورات حزب جبهة التحرير الوطني سنة 1982 .

ثانيا : مرحلة حكم بومدين 1965 /1979
إن هذه الفترة كانت فترة بناء دولة تعتمد على السلطة ووحدة الشعب والنظام والانضباط، قادها مجلس الثورة الذي إحتكر كل السلطات ، وظلت هذه السمة هي الغالبة ،حتى ظهر الميثاق الوطني بوجهة إيديولوجية أرجعت مفهوم الإتصال الهابط إلى سابق عهد .
لقد أصبح الإتصال الحكومي الرسمي يجسيد سلطة الحزب في الدولة من خلال إسناد الوظائف لسياسيين ،حيث أصبح من الواضح إستعمال إتصال هابط عن القيادة للتعبئة ونشر المفاهيم الاشتراكية لأن خارج هذه الايديولوجية كان محرما حتى على المواطنين الذين لم ينصفهم الأمر رقم 69/38 المؤرخ في 23 ماي 69 المتضمن قانون الولاية الذي حدد صور اللامركزية وجعلها في نطاق ضيق للغاية
وهي فترة لايمكن أن نقول عنها قد غيبت الاتصال الجواري بل أنشأت وسائط جوارية لكنها
كانت مكبلة في شكل إتصال رسمي .
ثالثا : مرحلة حكم الشاذلي بن جديد 1979/1988
لم تكن هذه المرحلة تختلف عن المراحل الأخرى لأن ثقافة الحزب الواحد ظلت سائدة رغم الإصلاحات التي حدثت على المستوى الحزبي بإدراج إستعمالات مصطلاحات الديمقراطية في الحياة الإدارية والحزبية ، فلم تتغير وسائط الاتصال الجواري، وصارت كلها تحت رحمة الحزب وأصبح من الطبيعي توجيه التوصيات واللوائح الصادرة في الحزب في شكل تعليمات تنزل للتطبيق في الوسط الاجتماعي .




وعموما فإن الاتصال الهابط الذي نعنيه هو الاتصال الرسمي الذي كان سائدا بسبب طغيان الحزب الواحد على كل الحياة المدنية غير أن هناك إستثناء يمكن الاشارة اليه ويتمثل في وجود أقلام حرة كانت تنتقد الادارة وتدعو الى تقريب المواطن البها.
رابعا : مرحلة مابعد الشاذلي بن جديد
شهدت هذه المرحلة ميلادا حقيقيا لإتصال جواري جد متطور ، لانها مرحلة إستخلصت الدروس من الاحداث السابقة التي لوحظ فيها تغيب العمل الجواري ، وهو ماعبرت عنه حوادث 5 اكنوبر 1988 المسماة بإنتفاضة أكتوبر أو إنتفاضة الفقر ، فسارعت السلطة الحاكمة الى إستحداث تغيرات سياسية وإجتماعية كبيرة ومهمة تمثلت في دستور1989 ،ومن بعده إقرار تغيرات جذرية علي كل مستويات الحياة كإستحداث( قانون العمل، الاعلام استقلالية المؤسسات تعديل قانون العقوبات وتدابير قانون الرحمة الذي كان بمثابة عملا جواري ذي أبعاد إتصالية مفادها تحقيق تقارب جواري بين المغرر بهم ، الذين حملوا السلاح ضد الدولة ورموزها والادارة ، وسوف نعود الى هذا بالتفصيل في الفصل الثالث من الدراسة ) .
رغم كل ما قيل عن أحداث 5 أكتوبر 88 التى وصفت بالمؤامرة ضد الشعب وضد مشروع المجتمع الذي تشتت حريته ، إذ خرج مناهضا لرفض أشكال إحتكار السلطة ، بينما نرى تعليقات أخرى بأن تلك الأحداث سمحت بميلاد ديمقراطية وحرية التعبير بكل إيجابياتها وسلبياتها ،بينما تعبر أطراف ثالثة على أن حوادث أكتوبر هي رفض لديكتاتورية سياسة ظلمت الشعب كثيرا وجعلت من الأمة صرحا فارغا من محتواه وعوزا إجتماعيا خطيرا وإنحلالا للقيم والأخلاق وإضرارا بالمستقبل ووصفت على أنها من بين أثار تغيب الاتصال الجواري بين الادارة والمواطن.
ولكوني عايشت هذه المرحلة وعاصرت كل حيثياتها فإن ما قيل كان من أجل أحداث قطيعة مع نظام وصفه المتظاهرون بالسفاح ، حتى وأن كانت اراده التغير سلمية في البداية ثم تحولت إلى شغب .
لقد صرحت مجموعة 18 عضو المجتمعة بعد 5 أكتوبر 1988التي ضمت كل من عبد العزيز بوتفليقة ، بلعيد عبد السلام ، رضا مالك ، لخضر بن طوبال ، شريف بالقاسم، طاهر زبيري ، مصطفى لشرف، على القول بأن أحداث الخامس اكتوبر " كانت مناورة ضد الشعب، عملية سياسية خطط لها، وأدت إلى إنحراف خطير لم يكن متوقعا والأخطر من ذلك أنها لم تأت بالنتائج المرجوة ،بل عمقت الأزمة لأن الذين أرادوا التغير لصالح جهات معينة جهات في الحكم آنذاك هم الذين قادوا التغير (24) .
إعترف الدستور الجديد بحريات لم يتناولها المواثيـق السابقـة، كانشاء الجمعيات والأحزاب حيث ألغيت الإشتراكية كمصطلح وإستبدلت بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية كما أحدثت مبادئ جديدة للديمقراطية الليبرالية (كفصل السلطات، والتعددية ) إلخ ...
وتم وضع قائمة مهمة للحريات العامة حيث نص على حرية المعتقد و الرأي ( المادة 35 ) حرية الإبداع الفني و العلمي ( المادة 36 ) حرية التعبير و تأسيس الجمعيات و عقد الاجتماعات ( المادة 39 ) . و تطور الأمر لاحقا إلى غاية صدور قانون رقم 87/11 المؤرخ في 05 جويلية 89 المتضمن الجمعيات ذات الطابع السياسي الذي بين طرق تأسيس الجمعيات ونماذج سيرها ، وسمح للجميع بتأسيس جمعيات بالإضافة إلىإقرار حق التعليم و الحق في العمل المواد 50 . 51 ) ، كما فتح الدستور في المواد 67 /91 المجال أمام رئيس الحكومة ليكون مسؤولا أمام البرلمان عن سير الأمور الاجتماعية و الاقتصادية .
ـــــــــ
24 - صابر أيوب مقال ً12 سنة تمر على نهاية الحزب الواحدً . الأصيل ص الحدث 03 / 1998
وعلى الرغم ما جاء به الدستور من إيجابيات بعثت الحياة الاجتماعية من جديد إلا أن الشيء الذي يمكن التصريح به، هو أن قواعده فرضت من فوق في شكل رسائل رسمية لم يتم إستشارة الشعب فيها ، أو على الأقل عرضه على أصحاب الاختصاص ، فتجسيد قاعدة الدستور الجديـد كان بمثابة تحقيـق سياسة جوارية أريد منها حل لمشاكل كانت عالقة ، و ربما هذا ما يفسر أخذ مواد كثيرة من الدستـور الفرنسـي لسنـة 58 بما فيها المادة 40 التي تشير أيضا إلى مصطلح الجمعيـات ذات الطابع السيـاسي (24) ،و لعـل أكبـر مـا نتـج عن السرعة في مجال شبكة الاتصال الجواري هو حدوث إستقالة الرئيس بن جديد في 12/01/1992.
بدأت سياسة العمل الحواري في تلك الفترة تظهر في ميدان الاتصال و الاعلام و سنركز بالضرورة على القطاعين العام و الخاص في نطاق الإجابة على التساؤل الثاني الوارد في بداية موضوع الدراسة .
كما أشير إليه فإن عمل الاتصال الجواري كان في بدايته إتصالا رسميا يؤكد سياسة الحزب الواحد و لكن بعد إقرار التعددية صدر قانون للإعلام الذي جاء متمما للحريات الفردية ، لأن الفترة التي تلت الأحداث كانت مليئة بمشاغل الأسرة الإعلامية التي وجدت متنفسها في المادة 10من قانون الاعلام المؤرخ في 13 أفريل 1990 )، فعليا أقر الدستور مبدأ الحق في الإعلام و جسدته المادة (02) من نفس القانون .<< … حق المواطن في الحصول على الاعلام الكامل الموضوعي للوقائع و الآراء التي تهم المجتمع من المجالين المحلي و الدولي و حق في المشاركة في الاعلام عن طريق ممارسة الحريات >> .
في نفس الصدد أعطى لكل مواطن و مواطنة حق التعرف و كسب المعلومات التي تهمه على الصعيدين الوطني و الدولي .
24 - MOHAMED BRAHIMI la loi fondamentale 1989 constitutionnalisation des silences .revue recherche. (universite d’Alger n° 01992 93 p 36
وأثناء الاشارة الى تطور هذه المرحلة رأينا أنها شهدت ظهور مفاهيم جديد ة تتعلق بالعمل الجوار منها الحق في الاعلام و ربما يتبادر الى الذهن أن إنشاء أجهزة الاعلام في القطاع العام و العناوين و الأجهزة التي تملكها الجمعيات ذات الطابع السياسي وكذلك التي العناوين التى تهم القطاع الخاص .
أي بمعنى إصدار نشريات باللغة الوطنية و أخرى بالفرنسية بعد نيل رخصة من المجلس الأعلى سابقا على أن يضمن المرفق الاعلامي العمومي المساواة أمام فتح حرية التعبير لجميع التيارات والأفكار .
وقد ضمن القانون حق الوصول إلى الخبر مع مرعاة عدم المساس بالوحدة الترابية والأمن العمومي ومن أجل أن يضل هذا الحق محفزظا فانه شرع في إستحداث وسائط إعلامية هامة منها:
1 - المجلس الأعلى للإعلام :
جاء من أجل ضمان حياد وسائل الإعلام وعدم تمركزها في يد مالك واحد يكون ذا تأثير مالي أو سياسي من شأنه التأثير على السياسة الإعلامية الحرة، كما أنه إهتم بتسير نشاط الجهات الانتخابية في قطاع الإعلام العمومي ، وإداريا يتكون هذا المجلس من 12 عضو ، 03 منهم يعينهم رئيس الجمهورية و03 رئيس المجلس الشعبي الوطني و06 منتخبون من الأسرة الإعلامية .
ونظرا لإنتقاداته و عدم جدواه فقد حل كمؤسسة إعلامية .
2 - الصحافة المكتوبة :
لقد جسدت هذه المرحلة تطور نوعين من الاعلام العمومي والمحلي .
أ- الاعلام العمومي:
لقد إستقبل المتفقون قانـون الإعلام بفرح لأنه تناول مبدأ حرية النشر فأثـريت الساحـة برصيد كبير من الصحف وصلت إلـى 17 يوميـة بـ 1.113.500 نسخة في اليوم و 45 أسبوعية 1.798.000 نسخة أسبوعية و 12 دورية بـ 648.000 نسخة في المتوسط (25) وكإشارة فإن السنة التي تلت ظهور القانون شهدت إزدحاما في ميدان النشر حيث تم إصدار 74 عنوانا بمعدل سحب وصول إلى 1.437.00 نسخة يوميا، وكنتيجة للتسهيلات المقدمة فيما يخص تحويل رصيد من أموال الصحفين لصالح تأسيس رأسمال في مؤسسات إعلامية أدت إلى وصول عدد الصحف الى 79 عنوانا بمعدل 932.820 نسخة يوميا .
إن سهولة الإجراءات المتعلقة بتأسيس الجريدة أدت إلى تنامي مفرط في النشر غلب عليه القطاع الخاص بـ: مجموع 86.20 % بينما الصحافة العمومية 13.78 % (26) .
وهـذه الأخيـرة رغم أنها حافظت على عناوينها القديمـة وساهمت في إظهـار محتشم لبعض الصحف التـي ولـدت ميـتة بسـبب تطبيقها لسياسة الهروب إلى الأمام كيومية Horizons ، بينما بقيت جريدة الشعب عاجزة كل العجز على مسايرة الواقع والمنافسة المعهودة ، بينما وصلت " المجاهد " إلى درجة السكوت عن الحق ، فكانت تتفادى النقاش في كل ما هو ماضي، بينما إحتل النعيم الإعلامي درجة كبيرة في أسبوعية الثورة الإفريقية .
ب -الاعلام المحلي :
وبالنسبة للإعلام الجهوي فإن تغذية الساحة لعب فيه القطاع الخاص دورا كبيرا حيث ظهرت عدة عناوين إلى الوجود ، القبس ، الباهية . ouest hebdo – hebdo liberé بمنطقة وهران والهضاب – صرايدي عنابة – سيدي راشد – بريد الشرق – جسور ، الحياة – الأوراس رسالة الأطلس – الأنوار – الشرق – أما في الوسط فقد خرجت الصحف التالية :

- l’echo de la somam le pays nouveautés
- la tribune de la kabylie - courier de chelef – ici Alger .

أما في الجنوب فقد شهد ميلاد الواحة le reporteur de sahrra وصحيفة العبور بقصر الشلالة .
وبخصوص اللغة المستعملة فإن النشريات كانت تستعمل اللغة المزدوجة بالنسبة للإعلام الحكومي و هذا بما يتماشى و خصوصية القارئ الجزائري ، وشكلت الصحف الصادرة بالفرنسية بنسبة 47.23 % و الصحف بالعربية 44.42 % و صحف مزدوجة اللغة 8.28 % ، و قد حددت الدولة ككل مساعدات للصحف المكتوبة شرط وضعها المقرر الصادر عن المجلس الأعلى للإعلام
والمؤرخ في 5 نوفمبر 1991حيث حددت المادة ( 03 ) معايير تلك المساعدات .
- عدد النسخ المبيعة عن كل يوم .
- العائدات الإشهارية .
- تشريف اللغة الوطنية ، التعليم العلمي والتقني ، ترقيه الإعلام المحلي .

ــــــــــ
26 - فريد شيبوط – الإتصال الجواري و دوره في التنمية – أطروحة ماجستير الاعلام سنة - إحصائيات خلية الاتصال بولاية الجلفة سنة 1998
25 - إحصائيات وزارة الإتصال و الثقافة – جويلية 98
2002





3- الإذاعـــة :
لقد عرفت هذه المرحلة دفعا متواصلا للعمل الاذاعي لكونه أداة أستعملت في نقل إنشغالات المواطن بالكيفية التي ترسمها الحكومة وفي هذا الصدد سوف نقف على تجربة الإعلام الإذاعي .
أ- الإذاعة المحلية و التلفزيون :
عمدت الإدارة الجزائرية إلى العمل بمبدأ الحق في الاعلام لإطلاع المواطن بكل ما يجري على الساحة من أخبار، فأنشأت 21 إذاعة محلية ( أنظر الملحق ) تبث برامجها على مناطق عدة ، حيث طلب من الإدارة أن تكون حاضرة بإقتراح تنشيط ملتقيات دورية تكون الإدارة فيها وجها لوجه مع المواطن من أجل مناقشة كل القضايا التي تهمه و بالصوت الصورة على مستوى مناطق تواجده ، وبكل موضوعية ..
إن للإدارة إجابات كثيرة على كل مشاكل المواطنين لكن الشيء الذي يؤدي بها إلى عدم عرض تلك الاجابات ،هو غياب الطروحات الموضوعية للمشاكل .
لأن الصحفي يعتبر نفسه الناطق الرسمي بإسم المواطن مع العلم أن معيار الموضوعية يستوجب تمثيلهما معا و ليس على سبيل التفضيل ، فإذا كانت الاذاعة المحلية تعرض استجوابات للمواطن عن تدفق المياه القذرة إلى البحر فذلك ليس بمشكلة صحفية شأنها شأن الخبر القاضي بأن عليا عضة كلب .
فحقيقة الموضوعية لم تغط عمل الصحفي في الإدارة فهو لايقوم بإعداد برامج بل تقدم جاهزة بدون مشاركة الصحفيين من الخارج و عند أذاعتها يكون الانتقاد
فأساس الإصلاحات المرتقبة لتوظيف الاتصال الجواري هو تحري الموضوعية في كل الأحوال منها التقليل من فضاءات الاعلان على حساب البرامج الوطنية الهادفة واللقاءات والسماح بعرض انشغالات وشكاوى المواطنين باستعمال المنابر المفتوحة
إن المشروع المطروح للمناقشة لا يكفي أن يعطي للصحفي الاداري كل المؤهلات التي ينبغي للصحفي أن يتمتع بها لأن الواقع يفرض وجود ممارسات متعددة أصبحت تحسب على المسؤول الأول في القطاع المعني بالصحافة وقد التفت البلفزيون في كثير من خرجاته الى دور الموضوعية عندما قدم حصصا جوارية جيدة كورشات الجزائر للصحفي لجمال معافة والتى تعرض فيها الانجازات وجها لوجه مع المسؤولين المحليين.
ب- المؤسسة العمومية للبث الإذاعي والتلفزي TDA :
لقد أعطى المرسوم رقم 91/98 المؤرخ في : 20/04/91 صلاحيات واسعة لهذه المؤسسة فيما يخص الإشراف على عملية بث كل البرامج التي لها علاقة بالخدمة العمومية ، حيث أشارت المادة 32 << تبث في الأوقات المحددة على شبكة بثها الإذاعي المتكون من أجهزة إرسال وإعادة إرسال تعمل على موجات كيلومترية وهيكتومترية وديكامترية ومترية ، برامج البث السمعي للهيئة العمومية للبث الإذاعي السمعي >>
وأوليت خلافا لذلك مهام تتعلق بالبث منها :
- مراقبة استعمال التوترات المخصصة للبث الإذاعي .
- المحافظة على نوعية استقبال إشارات الاتصال السمعي وحمايته من الاضطرابات .
- أعداد مخطط التوزيع الترددات في الأمواج المخصصة للبث .
- تجهيزات الإرسال والإستقبال بواسطة الأقمار الصناعية .
ج - الإذاعات الوطنية والمحلية :
بغض النظر إلى القنوات الإذاعية الأربعة التي سبق الحديث عنها فإن إعداد برامج الثقافة والتوجيه والترفيه كانت لا تخرج عن مراقبة المجلس الأعلى للإعلام، أي أنها كانت موجهة بما يخدم السياسة العامة وحتى تعمل الادارة على تقديم إعلام للمواطنين شرعت في إنشاء 21 إذاعة (28) محلية منذ 91 إلى غاية 2001 لها خصوصية لأنها كانت تنقل الإعلام الحكومي في زي معاصر، رغم المشاكل المتعلقة بالإرسال ولا سيما الإذاعات التي ترسل برامجها على الموجة المتوسطة وذات التعديل الترددي .